الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47713 مشاهدة
البيت العتيق

الحج كما ذكرنا ركنٌ من أركان الإسلام، وقد كان معمولا به في الشرائع السابقة، فقد ذكر المؤرخون أن الله -تعالى- أنزل هذا البيت العتيق لآدم -عليه السلام- لما هبط إلى الأرض، فأحب أن يكون له موضع يقصده، ويتعبّد فيه، ويطوف به كما تطوف الملائكة بالبيت المعمور فعند ذلك جعل الله له هذا البيت العتيق ليتعبد فيه، ثم أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأن الأنبياء قد قصدوه، فقصده نوح وهود وصالح وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، وذكر -صلى الله عليه وسلم- أنهم توجهوا إليه، يُلبُّون على رواحلهم قاصدين أداء المناسك في تلك المشاعر المفضلة.
وهكذا استمروا، ولكن مع توالي السنين انهدم البيت وبقي مكانه مرتفعا، حتى جدده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، قال الله -تعالى- وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ (الحج ،الآية:26) ؛ يعني أخبرناه بموضعه الذي كان موجودا فيه حتى يعيد بناءه، فأعاده هو وإسماعيل عليهما السلام، قال الله -تعالى- وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (البقرة ، الآية:125) .
وأخبر بأنه أقامه هو وابنه إسماعيل -عليهما السلام- في قوله -تعالى- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا (البقرة، ألآية:127) .
هكذا جدده إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وبقي مقصودا تعترف به العرب، بل وتعدُّه فخرها وعزّها وذخرها، ويأتون إليه من أماكن بعيدة، يؤدون فيه المناسك، فيطوفون؛ ويسعون ويعتمرون، ويحجون ويذهبون إلى المناسك والمشاعر التي حوله، ويرجعون وقد تزودوا بما تزودوا به من الأعمال.
لكن مع توالي الجهل و مرور السنين أحدثوا فيه أحداثا، وجعلوا فيه بدعا ومنكرات ليست من الدين، والذي حملهم على ذلك جهلهم؛ فكان ولا بد أن يكون هناك من يجدد هذه المشاعر، فبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحج بالناس في سنة عشر، وأعاد المناسك إلى ما كانت عليه في عهد أبيه إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وردّ كل المحدثات التي أقامها المشركون، سواء كانت قولية أم فعلية، وعاد الناس إلى معرفة الأحكام، ومعرفة ما عليهم، وهو الذي بقي -والحمد لله- إلى هذا الزمان.
وقد أظهر الله -تعالى- حرمة مكة وقداستها، ونهى المشركين أن يدخلوها، ونهى المؤمنين أن يُمكِّنوا المشركين من دخولها، قال الله -تعالى- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (سورة التوبة، الآية:28) ، وقد امتثل المسلمون لذلك إلى زماننا هذا، فلا يجوز لأيِّ كافر أو مشرك أن يدخل مكة .
وهكذا بقيت مكة -والحمد لله- مصونة ومحفوظة من المشركين، لا يدخلها إلا الموحدون المسلمون؛ و ذلك لأنها البقعة المباركة المشرفة التي لها فضلها، و بها المسجد الحرام الذي أخبر الله بفضله، وسماه بهذا الاسم، فقال -تعالى- لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ (سورة الفتح ، الآية :28) .
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدسية ذلك المسجد وبأهميته، فقال -صلى الله عليه وسلم- فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمس مئة صلاة .
فأخبر بفضل هذه المساجد الثلاثة، فالصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة، والمسجد النبوي بألف، والمسجد الحرام بمائة ألف.
والصلاة الواحدة تعدل هذا الفضل! وما ذاك إلا لشرف المكان وَقِدَمِ العبادة، ولأنه قبلة المسلمين الذين يهوون إليه في كل زمان ومكان.
فلما كانت هذه مكانته كان مخصوصا لأن يكون محلا لأداء المناسك والعبادات؛ فالحجُّ لا يكون إلا إلى مكة، والعمرة لا تكون إلا إلى مكة، ولا يكون الطواف إلا بالبيت، فلا توجد بقعة أو تربة يجوز أن يُطاف بها إلا البيت العتيق، ومن هنا أهميته ومكانته.